Wednesday, March 19, 2008

حد بيكره تغريدة البجعة

سألته الدكتورة هنا إبنة مضيفنا الطبيب الرائع والمثقف الكبير محمد أبو الغار، هل تغريدة البجعة سيرة ذاتية، فرد كعادته بالتواء ولؤم فقال ما معناه لا بالطبع وإن كان فيها قليل من أشياء وأحداث كنت جزء منها، ثم عرج إلى تفاصيل تبعده عن الحقيقة، فالتقفت دورى فى الكلام، وقلت لا، كذب والله وأراد التملص من الحق، من فرط كونها سيرة ذاتية صار كل من يعرفه يقرأ الرواية لا بغرض التمتع بعمل فذ، بل لكى يفتش عن نفسه فى العمل، هل تراه هذا الروائى قد خبانى هنا فى شخصية مصطفى، أم أننى عصام، أم ربما كنت مارشا فى نذالتها وخستها ونزقها، وألبسها رداء أنثويا، أو لعله زركش بذكرى مشتركة شخصية حلمى المثقول بشرفه المتصارع مع تاريخه العابث أو زينب بشهوانيتها وجراأتها وتوقها للخلاص، كل كان لسانه حاله يقول الروائى يدلس على باسماء مختلفة ويضللنى بتفريقى بين عدة شخصيات كى يعمى الأمر عنى، لعله مزقنى بين أحمد وخليل، كى يفرج علي خلقه، هكذا رأيت أثر الرواية على الوجوه من حولى وأدركت وأنا أرمقهم وهم يهنأونه ويكادون يقولون عملتها يابن الـ...، كم كان خائنا ولا يؤتمن على سقطة أو ممارسة لشر او نفاق خادع... رأيتهم تكاد عيونهم تفتك به وهو فى صمته يضحك ويهزأ من العالم، التغريدة ليست روايته، بل هى جريمته وأمامكم يمارى كى يتبرأ منها بيمين غموس، وكلام ملتبس تسمعونه أنتم البعيدون المارون بالصدفه أمام عالمنا

التغريدة، الرواية المومس، الغانية الخبيرة المتمرسة التى أراد الجميع فض بكارتها وكتبوا عنها كأنما هى البكر الحيية، تلك الرواية الملعونة، ليست كما كتبوا، ليست مثيرة ولطيفة وخيال جيد، إنها سيرة تصويرية ورصد قاسى لعالم الواقع، كاشفة معرية فضاحة صادقة، هذه الرواية هى رغم كل ما فيها من جماليات حاولوا رصدها والتغنى بها هى خيانة لعالمنا البعيد، لعالمنا المختار الذى هربنا إليه بعد أن ضاقت بنا دنيا لم تعد تناسبنا، عالم كان أجمل ما فيه أنه بعيد متخفى فى حوارى جانبية، وشوارع مهملة، وسط خليط بشرى عجيب ونسيج متكعبل لا يمكن فضه، يقع على هامش مجتمع مأزوم، يوازيه ويعكس صورة مكثفة له، بنفاق وخداع أخلاقى صار هو الأصل وتشظي هو كل ما بقى من الحلم، وفساد ينخر تحت بصر الجميع فيما بقى من جذوع النهضة والتقدم والإبداع والحرية والحقيقة، التغريدة نص يمثل دليل قطعى على خيانة متعمده للهامش الذى أجمل ما فيه أنه هامش بعيد عن مركز الضوء فاستحال اليوم محطا لكلام كل من هب ودب، وصارت الرواية بنصها وواقعها تحظى بالتساؤل والاهتمام وهو باب تنفتح من ورائه على عالمنا المخفى ابواب لن تنسد وربما تودى بهذا الفردوس وتفضح سريرته وما كتمه عبر السنين.

استخدم هذا الروائى اللئيم ذاكرته الحديدية بعيدة المدى التى ظلت لأعوام تضع التفاصيل فوق التفاصيل، تنسج حكايات هذا العالم وتسطر التاريخ الحقيقي لهؤلاء اللامعين، وتلك الوجوه المشرقة الباسمة اللامعة التى تحتل المقدمات ودائما ما تعكس وجوهها أضواء الفلاشات الملاحقة، فلها هاهنا امتداد ما وذكرى مهملة وجزء من حقيقة لا ترغب في تبيانها، قلم الروائى القاسى القاتل يرصد المشاهد والأحداث على مزاجه، ربما دون خلل، فقط يستفها بصورة جديدة بغرض التعمية على ما تحمله، يحبشها بملاحظاته العابثة، وبذكائه القصصى رسم افى التغريدة لحظة النهاية، ورمى فيها بالحكاية التى قرر أن تكون كاشفة وفاضحة ومعرية، لعالم عاشه وخبره وغاص فى تلافيفه بقلبه وهامشه

نعم... لقد فضح هذا الروائى الذى يستحق اللعنات لا الجوائز بتغريدة بجعته اللعينة ذلك الفردوس الذى اختبئنا فيه، فردوسنا الذى قد يبدو للناظرين مجرد رصيف قذر بوسط البلد ويثير لدى العابرين ظنهم بأنه ليس إلا مقهى رخيص يرتاده صعاليك وأفاقون وتجار سلع تافهة وبنات ليل، لا مبرر له فى خيانته، أسوأ أن يتذرع بأنه قد كشف عالمنا الهامشى كى يكشف رداءة العالم الكبير الذى فررنا منه

لئيم متنمر شبك حكايات لنماذج عايشها والتقاها عبر عقود قبع فيها هادئا مسجلا فى ذاكرته التى تشبه حائط معبد فرعونى سطرت عليه كل أحداث وأسماء ومواقف الخلق، المثقفون والفنانون والمنتمون لحركات سياسية والباحثون عن الشهرة والأفاقون وأنصاف الموهوبين، والمشتهون لاطفاء نيران حرمانهم الجنسى والأدبى والمادى، والمتفرجون العابثون، والتائهون، كل هؤلاء رمي بهم فى آتون روايته، بعد أن جردهم مما يسترهم، ودفعهم للسير فوق صراط روايته المستقيم. كان كل هدفه الخبيث هو الفضح، والانتقام من عالم خانه قبل أن يخن نفسه، عالم حكمه التافهون والقوادون والنصابون وتجار الأجساد والأعراض والذمم، أراد أن يتبرز كأطفال الشوارع الذى أورد حكايتهم فى تغريدة البجعه على ناصية العالم الذى لفظه ليقول للجميع، أنتم هكذا كما صورتكم، أدعياء، ساقطون، مرضى نفسيون، آفاقون، منافقون، تكرهون الحياة والجمال والحرية، وكانت الرسالة الختامية بإعطاء طفل الشارع المتشرد، الأكثر فهما لحقائق ما يجرى والأكثر معاناة من جراءها، والأكثر جرأة على تحديها، عديم الأخلاق والمحروم من كل هذه الأشياء التى يتمتع بها من ينامون ليلهم تسترهم حوائط ويلفهم سرير دافئ، إرث الشهيد، ورمز شرفه وجهاده، مسدسه لكي يفعل به ما يشاء، إما أن يقتل به من يكرههم بطلالتغريدة أو يقتل به بطل التغريدة نفسه أو يعبث به فتنطلق رصاصة منه ترديه قتيلا، أو يذهب فيقتل أولئك الذين يطاردونه فى غدوه ورواحه أو يطلق النار عشوائيا ليصيب كل من فى الطريق، أو يعقل ويدرك أن فى يده تاريخ وذاكرة وشرف ومجد وهو الذى لا يكاد يدرك ماذا تعنيه هذه الأشياء بالضبط وربما لم يسمع ببعضها، حين يدرك سيوفى لكل هذا الذى يحمله المسدس من معانى ويفعل ما يتوجب عليه أن يفعله لانقاذ العالم... دون تفاصيل الرواية ملخصها أن جتكم القرف ....!!ا


عن موقع التغريدة ع الفيس بوك
...

No comments: