Wednesday, March 19, 2008

مكتـــوبٌ ..على الحـــافة .. وليد خطاب

مكتوب على الحافة

حين مر النصل على العنق الملكية كان اللون الأحمر هو آخر ما أتوقع .....

(من أوراقه)

كانت الفوضى قبل أن يأتي ذو الدم الأزرق ليحكم باذن الرب ، نزع الأمر من يد كل صاحب نظر قاصر في أمر نفسه ، ليسود العدل والخير بيننا نحن ذوي الدماء الحمراء ، فما كان لأحد منا الا أن يقيم أمر نفسه ، أما غيره؟! فلا يقوم الماء بالماء ...

- ومن أين أتى بالعدل ؟ ..

كاد لساني يلقي بما يراد مني ولكن عيني خانتني بنظرة الى ملامح وجهه المختلفة عن بقية أسرته ، فأخذت نفسا عميقا محبا للحياة بقدر ابيضاض شعر لحيتي وأجبته .. العدل من عند الله يا ولدي ، قدره وأمركم باقامته فينا ..........

( آخر أوراق مربي ولي العهد )

اقتربت من عينيه اللتين خلبني بريقهما ذات يوم قبل أن ينطفىء .. أنت تريده وضيعا مثلك ، لم أحرمك من مرافقته حين جعلتك مربيا له ، ولكني أخبرتك أني أريده ملكا مقطوع الأسباب بالهمجية التي تسري في عروقه من دمائك ..........

(من أوراقها)

مفتونا بصفوف الجنود المترامية أقف إلى جوارها ، أنظر إلى أعلى فيعجز بصري عن الإحاطة بكل ملامح وجهها فأهبط بنظرتي تائها بين نقوش ردائها الملكي حتى تنتزعني دقات الطبول المدوية من عالمي .. صفوف من الجنود المنكسرة كانت جيش فأصبحت بقاياه .. تحت وطأة السلاسل الضخمة التي تكبلهم يسيرون بانحناء جباه نزع عنهم صفة المحاربين .. عندما يعم الصمت أعلم أنهم ينتظرون منها كلمة .. كثيرا ما تختزلها هي إلى إشارة ملكية متغطرسة يعملون بعدها السيف في أعناق بقايا محاربين ، لا أعدم في أحدهم نظرة نبيلة تشذ عن نظرات مجاوريه .. أتراجع خطوتين إلى الخلف فرقا من صمت أعلم أن صراخ دموي يمزق عيني يعقبه ، فتهبط بنظرتها قليلا إلي مدركة لرعبي .. تأمرني بإعطاء إشارة البدء للجنود .....

( من أوراقه)

يقترب بنزق سنوات عشرين لم تثقلها خطوب ، حتى تؤول خطواته إلى الثبات منتظرا مني أن أنهض من جلستي كما عودوه .. يكاد المعلم بداخلي يخنع خشية من بطش ، فيتمرد الأب على قدمي فتخضعا ..

- لا أحتاج إلى علمك .. احمله للعامة .. علهم يجدون به نفعا ..

- بل تحتاجه .. ذات يوم ستحكم .. ولكي تحكمهم .. لابد أن تأمر بصوابهم وتنهى عن خطأهم لهم الأرض ولك الحكم .

أستبشر بانصهار الجمود والصلف من فوق ملامح وجهه الحجرية المحببة وحلول الحيرة ممزوجة بالنفور محلهما :

- أستطيع أن آمر بطردك من هنا .. أو .. أو حتى بفصل لسانك المتغطرس هذا عن جسدك ..

- ولم لا تفعل ؟!

يأخذه الذهول للحظات قبل أن يتمتم : لا أدري .

- هذا ما ستدعوه بعد ذلك التوقير ..

أقولها قبل أن أنهض وأغادر ........

(من أوراق مربي ولي العهد)

- لماذا ؟! .. يخرجها من بين طيات حيرته الساكنة بعينيه السمراوين فتستنكرها أذني للحظات قبل أن أدرك .. أقبل أن أكون ملكة في جميع الأوقات .. إلا على الفراش ...

- سأرحل ..

- دون إذن؟ .. يحتوي وجهي بعينيه للحظات قبل أن يميل بها من جلستنا على الفراش إلى ردائي المعلق هناك ينطق بما لا ينطق به جسدي العاري فأتمتم : وأنا ؟......

( من أوراقها )

مكتوب على الحافة ..

أن الظلمة أصل ساكن في الكون ..

أن العدل طريد أبدي ..

أن الخوف سراب ممتد يتحدى بوجوده أي سكينة محتواة في قلب ..

أن الأمن جبان يهوي من أول بادرة للبطش ..

(من أوراق تم تجاهل مصدرها(

-الله طريد .. يخسر ما استعمر منا .. أرضا تلو يوم ..

- بل نحن وأرضنا وأيامنا طريدي رحمته ما لم نخضع ..

يقولها وقد رسم على وجهه تعبيرات تذكرني بالشفقة أصبحت أمتعض منها كلما بادرت من نفسي موضعا ...

- فلترحل .. ابحث عن أرض ما زال أهلها يتقبلون التنازل عما يخصهم لله ......

( آخر ما دون ( هو ) من أوراق)

أتأمل ملامح وجهه الرقيقة الغائمة ، عاجز عقلي عن تركيب الكلمات بعض الوقت لتصبح ذات معنى مكتمل : العدل من عن الله ؟! .. من علمك هذا ؟!.. نحن تركناهم يعتقدوا فيه ، ليجدوا من يتقاسموا معه آلامهم وأحزانهم وضعف حيلتهم أمام سيف قدرنا .. أما أنت .. فلا يلزمك الا أن توقن أن العدل ما أقررت .. وأن الرحمة ما تجاوزت .. وأن كل ما يجاوز مشيئتك أو يمنع لك استقرار أمورك هو ما نهى عنه إلههم .. أما أنت .. فاله نفسك .

....................................................................................................................................................................................................................

- أمي .. لم يكره أبي ملامحي ؟

أمسح بكفي على شعره الأسود المنسدل حتى أعلى كتفيه وأتمتم : لأنه لا يجد نفسه فيها .

....................................................................................................................................................................................................................

- أمي .. أين الله ؟

غارقة كلماته في الشوق واللهفة والفضول ، تلمع عينيه في انتظار أي إجابة لتساؤله فأمسك بكتفيه وأدفعه أمامي حتى أقف به أمام المرآة الضخمة .. أهبط حتى تصبح شفتي لصيقة

بأذنه وأتمتم : انظر .. تجده أمامك .

(آخر ما دونت (هي) من أوراق)

وليد خطاب



No comments: