Wednesday, July 4, 2007

الغيطاني في الأهرام


جمال الغيطاني الحاصل علي جائزة الدولة في حوار مفتوح‏:‏تعلمت من نجيب محفوظ ان الادب مجاهدة وليس نزوة‏!‏
حوار‏:‏ نجلاء محفوظ ـ أهرام الخميس 5 /7 /2007

اختار لنفسه طريقا مختلفا منذ بداياته‏,‏ وسعي للتمرد المحسوب علي ماهو مألوف‏,‏ ولم يرض بغير الابداع رفيقا دائما في الحياة‏,‏ وقدم للأدب العربي ابداعات متميزة ترجمت إلي العديد من اللغات منها الزيني بركات ورسالة البصائر والمصائر‏,‏ وقائع حارة الزعفران‏,‏ رواية التجليات والتي حصل بها علي جائزة لورباتليون الفرنسية بالاجماع وتمت مقارنتها بالكوميديا الالهية لدانتي وعوليس لجيمس جويس‏..‏انه الأديب جمال الغيطاني الذي التقينا به في المنتدي الأدبي وكان هذا الحوار‏.قمت بكتابة أول قصة بعنوان نهاية السكير وانت ابن الرابعة عشر‏..‏ هل تغيرت ملامح مشروعك الابداعي‏.‏ واين تقف الآن من هذا المشروع؟‏!..‏علي المستوي الاستراتيجي لم تتغير فقد كنت اطمح الي تحقيق خصوصية النص المكتوب مرتبطة بالثقافة العربية والمصرية‏.‏ ولذا كتبت اوراق شاب عاش منذ الف عام ثم الزيني بركات وغيرهما وعلي المستوي التكتيكي يمكن القول انه تغير فهناك مراحل مثل الزيني بركات والتجليات بدءا من شطح المدينة التي تمثل مرحلة ثانية للخروج عن تقاليد السر والقديم الي مرحلة جديدة مختلفة تماما وفي دفاتر التدوين اتجهت الي عمق يتعلق بالتراث المصري القديم ومن رواية سفر البنان وما تلاها تعد مرحلة مفتوحة‏..‏تميزت معظم اعمالك بالغوص في التاريخ‏,‏ هل كان السبب الهروب‏(‏ الصريح‏)‏ في مواجهة الواقع أم تغليفه بالتاريخ لضمان قدر اكبر من الحرية؟‏!.‏ـ هل ذكر ما جري وبيع مصر في المزاد‏,‏ وهل التجليات هروب من الواقع‏..‏ لقد لجأت الي التاريخ لاهتمامي بقضية الزمن وسؤالي الكبير الذي صاحبني منذ كنت طفلا‏..‏ اين ذهب الأمس‏,‏ وهل يمكن إعادته ثانية‏..‏ هذا السؤال ظل بلا اجابة ولن اجد له اجابة‏,‏ ربما كان هو المحفز لمحاولة ايجاد الاجابة احيانا‏..‏ سؤالي كان خاصا بالزمن‏,‏ وما اكتبه يعد هما اساسيا يتعمق بداخلي مع التقدم في العمر وفوات معظم السنين‏,‏ فالكتابة مقاومة للعدم والفناء‏,‏ انا اكتب لابقي احفر اسمي علي الجدار لكي اظل موجودا‏..‏اما عن اسقاط الواقع علي التاريخ فقد ينطبق علي رواية الزيني بركات لكنه لم يكن هروبا يقدر ما كان ادائه للقهر في مطلقه‏,‏ لذا لجأت الي العصر المملوكي‏,‏ لانه مازال مستمرا‏,‏ فلم اغترب فيه لانه مازال قيمة موجود فنحن نرد جملة فلان بتاع فلان وهو ما يعني انه مملوكه‏,‏ وعندما يحصل أحد علي منصب يأخذ المقربين اليه‏,‏ بل ان نفس الاسباب هي التي ادت الي هزيمة الجيش المملوكي عام‏1517‏ هي نفس الاسباب التي أدت الي هزيمة يونيو‏..‏انت منغمس ابداعيا ومهنيا في المشهد الابداعي المصري‏..‏ نريد رؤيتك له بدون رتوش أو اي محاولة للتجميل‏..‏ـ الوضع الآن في مصر مأساوي حيث توجد مواهب لا يعرفها اي بلد اخر ولكنها تأتي من المجهول وتذهب الي المجهول‏.‏ بينما سبقتنا البلاد العربية الناهضة في مجال الثقافة لانهم يحسنون التعامل مع المواهب لديهم حيث يدركون بذكاء ان المبدع هو واجهة البلد‏,‏ واتعجب واتساءل باي مبدعين ستواجه مصر العالم بعد عشر سنين‏,‏ أي بعد ذهاب جيل الستينيات الذي تكون ضد التيار‏..‏ الاجيال الجديدة تعسة مع انه توجد بينهم مواهب افضل من جيلنا وتوجد غزارة في الابداعمن ناحية الانتاج يقابلها هدر لهذا الابداع من ناحية عدم الاستفادة منه وعدم وجود جهود لابرازه أو تهيئة الظروف الي وجود اسماء كبيرة‏..‏ لذا تعم حالة من الفوضي من المشهد الثقافي لانعدام المقاييس وعدم وجود حركة نقدية فعندما كتبت أوراق شاب عاش من ألف عام كانت هناك اسماء نقدية لها مصداقية‏,‏ فعندما يكتب عنك لويس عوض فكأنك اخذت ورقة دمغة لاعتمادك كأديب لقد تم تعييني في اخبار اليوم بسبب مقال كتبه عني محمود أمين العالم ولم أكن اعرفه عندئذ‏.‏أما الآن فالحياة الثقافية زاخرة بالصفقات والفساد المستتر فتجد أحدهم يكتب قصة قصيرة تافهة‏,‏ فينال المديح في تبادل للمصالح بصورة علنية فجة وينذر من لديه مصداقية نقدية‏.‏وبالطبع يوجد بعض النقاد داخل الجامعة لكنهم لم يخرجوا الي الحياة الثقافية العامة‏,‏ فلا يوجد لدينا لطيفة الزيات ولا رجاء النقاش جديد‏,‏ ولامندور‏.‏ اعرف أديبا شابا مبدعا للغاية ترك الادب ويقوم برعي الاغنام في الصعيد وهناك عشرات الاسماء التي كانت تبشر بالأمل اختفت بسبب ظروف الحياة المادية لقد قاوم جيلنا بسبب ان ظروفنا كانت أفضل علي كل النواحي النقدية والمادية والمجتمعية‏..‏ قربك الشديد من نجيب محفوظ‏..‏ ماذا اضاف لك‏..‏‏-‏ بعد وفاته لزمت الصمت‏,‏ علي المستوي الانساني انا محصلة نجيب محفوظ‏,‏ أبي أتي بي للعالم‏,‏ ونجيب رفقني وعلمني واعطاني القدرة‏,‏ عندما مررت بظروف صحية حرجة في عام‏96‏ كان نجيب يرسل السيدة زوجته لأقرب فندق في الساعة الحادية عشرة مساء يوميا لتتصل بي في خارج البلاد لتخبره بتقرير مفصل عن حالتي واستمر هذا الأمر مدة‏27‏ يوما وانا في المستشفي‏..‏لدي تفاصيل غزيرة انسانية ويبقي من نجيب محفوظ اعماله وآثارة تتعلق بادارة الحياة الثقافية ففي فرنسا احياء مستمر للرموز ممثلا يختارون عاما يكون فيه فيكتور هوجو كمادة مقررة في المناهج الدراسية ونقوم المجلات الأدبية باصدار ملاحق خاصة عنه‏..‏ اما نجيب محفوظ فبعد وفاته شكلت لجنة لتخليده ومر عام عليها ولانعرف ما الذي تم‏..‏ ويوجد تشابه نفسي وداخلي بيننا فيما تعلمته منه التقي عندي بخصائص نفسية مثل ان العلاقة بالأدب جوهرها مجاهدة واليست نزوة‏.‏ ونجيب اهتم برعاية موهبته بدأب النحل حتي وصل الي آخر ابداعاته احلام فترة النقاهة وهي تضاهي روائع شكسبير ورباعيات الخيام‏..‏ وتعلمت منه أن اعمل زي عمل وكأنني اعمله لأول مرة واحمد ربي أن رغبتي في القراءة تتزايد كما تعلمت منه الانضباط وتخصيص وقت للأدب ووقت للكتاب‏..‏واتمني أن أكون مثله في الرأفة والمودة والحرص علي الصداقات القديمة وقدرته علي مواجهة العالم باتزان داخلي‏,‏ بينما لدي انفجارات داخلية تؤرقني‏..‏تعرضت للاعتقال في اكتوبر‏1966..‏ هل تسببت هذه التجربة في اثرائك ابداعيا وانسانيا‏..‏ وكيف؟‏-‏ افادتني جدا واتخذت بسببها أهم قرار في حياتي وهو الا انضم لأي حزب لا علني ولاسري‏..‏ وقد تم حبسي خلالها‏40‏ يوما حبسا انفراديا مما اتاح لي الفرصة في استيطان ذاتي ومنحني القدرة علي المراجعة وكان عمري عندئذ‏21‏ عاما وكنت محظوظا حيث قمت بتحديد اولوياتي الأساسية في الحياة وأولاها الا أكون عضوا في أي تنظيم حتي لا أكون تابعا وأنا أكون حزبا بذاتي ودعمت خياراتي التي اخترتها منذ بداية حياتي ومنها الانحياز للفقراء وللعدالة الاجتماعية‏..‏هل شعرت فيها بالقهر؟‏-‏ بالطبع تعرضت للقهر حيث واجهت منظومة رهيبة تتطلب كسري ولكن عندما لم يحدث هذا الكسر ازددت قوة امام نفسي‏,‏ ولكن الذي لم اغفره انه الضابط الذي حقق معي قام بسب أمي‏..‏عندما كنت اتعرض للضرب كنت اعود سعيدا لأنهم لم ينتزعوا مني شيئا‏,‏ والحقيقة ان أصعب شيء في التعذيب لحظة انتظار التعذيب وليس وقوعه‏ لقد شغلتني فكرة الحرية قبل دخول المعتقل وكتبت عنها ولكن بعد دخوله اصبحت أكثر عمقا بداخلي بعد ان تعرضت شخصيا للقهر‏.‏تمردت علي المألوف في الكتابة الروائية والقصصية وغامرت مع المصطلحات الصوفية‏..‏ بماذا خرجت من هذه التجربة ابداعيا وانسانيا‏..‏-‏ هذه التجربة بمثابة مغامرة روحية لها اساس عندي فقد نشأت في حي الحسين‏,‏ ولدي القلق الروحي الخاص بقضية الوجود والزمان ولم يهدأ إلا بعد أن قرأت تراث الصوفية الكبار حيث وجدت أدبا موازيا للأدب البلاغي المعلن‏.‏ والأدب الصوفي به عمق ويحتاج جرأه مختلفة ونتاج معاناة ولابد من المرور بالتربية الروحية وهي جزء من عذابات التجربة الكتابية الجميلة‏..‏ وقد استفدت من التجربة من ناحية اللغة والرؤية والمعاناة التجريبية وكل هذا كان جزءا من مغامرة الابداع اللازمة للكاتب لكي يضيف الي التراث الانساني كله ومن لايفعل ذلك يصبح ناسخا وليس مبدعا‏.‏اتجهت اخيرا لتقديم برنامج تليفزيوني تناقش فيه جماليات كل من العمارة اوالموسيقي‏..‏ ما مدي صلة ذلك بإبداعك الأدب‏..‏‏
-‏ اهتمامي بالعمارة نتج عن تأمل طويل لنشأتي في الحي القديم ولا يمكن فهم مصر وروح مصر إلا من خلال فهم عمارتها وهي نهر الثقافة الخفي الذي يربط بين مراحل مصر الثقافية وبها تجليات متصلة وليست منفصلة‏.‏ ولابد من فهم المرحلة القبطية والاسلامية والقديمة بانصاف وهي لاتتعارض مع القومية او مع عروبة مصر‏.‏ واهتمامي بالعمارة نابع من اهتمامي بالموسيقي لأن الرواية ايقاع وكل عناصر الوجود أقوم بتوظيفها لخدمة الكتابة الروائية‏.‏‏قبل أن نرحل أصر الغيطاني علي توجيه الشكر لجامعة جنوب الوادي التي رشحته للجائزة وأصرت عليها لسنوات‏,‏ والشكر للمثقفين الذين أعطوه أعلي الأصوات‏,‏ ثم أهدي الجائزة راح يؤكدها لروح نجيب محفوظ‏.‏

No comments: