يوسف القعيد ـ أهرام الاثنين 30 / 7
الأمر الجوهري الذي أحب التوقف أمامه أن في مصر ـ هنا والآن ـ حالة من الاهتمام بالكتاب. وهو من الأمور المطلوبة لدرجة الالحاح. لأن الكتاب يتعرض للاهمال. وأيضا فإن عادة القراءة ليست من ثوابت الشخصية المصرية. أو ربما كانت. وتراجعت, لدرجة أن الدكتور لويس عوض قال في منتصف القرن الماضي إن القاهرة تكتب. وبيروت تنشر. وبغداد تقرأ. لقد تم حذف كلمة مهرجان هذا العام. وهذا يجعلنا نأمل في دوام واستمرار المشروع علي مدي أيام العام كله. لأن الاحتفال كان صيفيا فقط. والقراءة حالة علينا أن نجعلها طبيعة ثانية للانسان المصري. ويوشك الشعار أن يتغير من القراءة للجميع. إلي القراءة للحياة. أي أن القراءة مشروع من أجل الحياة. ومن يقرأ يحلم. ومن يحلم سيحب الحياة ويحافظ عليها ويدافع عنها. وعلينا ألا ننسي أن كل تقدم حققته البشرية منذ فجر التاريخ وحتي الآن. بدأ كحلم. بالحلم يتجاوز الانسان واقعه. ليس بالهروب منه. ولا الالتفاف حوله. ولكن بالخروج من أسر مشاكله. ومواجهة همومه.والانتصار علي إحباطاته. الاعلان الذي يدعو المصريين للقراءة أراه كثيرا في التليفزيون المصري وفي بعض التليفزيونات العربية. يقوم به نجوم المجتمع. الذين يطلبون منا القراءة. ولكن لا أحد منهم يمسك بكتاب. وكأنه يطلب من المواطن البحث عن شيء لا وجود له. أو يوصيه بفعل لا توجد الأداة الرئيسية لقيامه وهي الكتاب. لا اعتراض لدي علي أن يقوم لاعب الكرة بذلك. لكن هل يقرأ لاعب الكرة نفسه بعيدا عن هذه المسألة؟ هل يمارس هو نفسه الفعل الذي يدعوني للاقبال عليه؟ ثم من الذي حشر المطرب الهارب من التجنيد في هذا الشيء الجميل؟ صحيح أنه قضي فترة العقوبة. ولكن الهروب من خدمة الوطن جريمة معنوية لا تسقط بالتقادم.ربما راهن صناع الاعلان علي أن هذا المطرب له شعبية كاسحة مكتسحة بين الصبية والمراهقين والشباب الذين يمثلون نصف الحاضر وكل المستقبل. ولذلك جاءوا به حتي يتأكدوا من اتجاه الشباب للقراءة. ولكنهم لو تابعوا حفلة محمد منير علي مسرح الأوبرا. وطلب نفس الصبية والمراهقين والشباب من نفس المطرب النزول من علي المسرح. وعندما لم ينزل طلبوا من محمد منير أن يغني له: خلي السلاح صاحي. تجعل الانسان يقول لنفسه: عمار يامصر. وأن كل تصوراتنا عن هذا الجيل ربما كانت غير صحيحة. وعلي كل منا أن يعيد النظر فيما يعتقده عن هؤلاء الشباب. لكن تبقي مشكلة الاعلان والدعوة للقراءة. إنها ربما سبقت وجود الكتاب في الواقع.وأنا أقصد كتب القراءة للحياة ـ أتمني تغيير الشعار علي الكتب عندما تصدر ـ وأقصد كتب مكتبة الأسرة التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. والمشروعان يكملان بعضهما. أو هذا هو المفترض والمتوقع. نحن لم نر بواكير أو بشاير لا القراءة للجميع ولا مكتبة الأسرة. في اليابان شاهدت المواطن الياباني في محطة القطار يشتري تذكرة السفر. وبعدها يشتري كتابا أو مجلة من كشك مجاور لقاطع التذاكر. وشراء الكتاب يسبق شراء الطعام والشراب. رغم أن القطار فيه سينما وفيديو. لكن القراءة طبيعة ثانية للانسان الياباني. وفي المقاهي الصغيرة. يسأل الزبون عن الصحف اليومية قبل أن يسأل عن مشروبه ويقرأها ويعيدها للمقهي. لدرجة أنه يعطي ظهره للآخرين. ووجهه للجريدة. ووراء الجريدة الحائط. لم يأت للمقهي للثرثرة. ولا لعب الطاولة. ولا الكوتشينة. ولكن لتناول مشروب. ومع المشروب يقرأ الجريدة الصباحية. يقرأها بعناية. لا يبحث عن الصور. ولا يجري وراء الرسومات. ولكنه يقرأ. مع العلم بأن التطلع في الصورة. والتمعن في الرسم هو أيضا قراءة.عندما كنت في اليابان فوجئت بمهرجان خاص بالأنهار. الكتب المكتوبة عن الأنهار. المقاهي الخاصة بالأنهار. وأدركت أن هذا الشعب يختلق أي فرصة وأي مناسبة من أجل تذكر الكتاب. الذي لم ينسه أحد. والاحتفاء به. بل إنك لو سافرت إلي قرية الروائي كاوباتا ستكتشف أن القطار اسمه: راقصة أيزو, وهو عنوان الرواية الأولي التي كتبها كاوباتا.وفي قرية شكسبير استيراد فورد القريبة من لندن. حتي كيس البطاطس عليه أبيات من شعر شكسبير. وكل ما يباع في المدينة من هدايا له علاقة بشكسبير. سواء بشعره أو مسرحه أو كل ما يتصل به.التحدي الحقيقي هو وصول الكتاب إلي القري والكفور والنجوع. تلك التي لا تصل إليها الصحف في يوم صدورها. وإن وصلت فتكون لها أسعار خاصة. لأن هناك من ذهب إلي البندر وأحضرها. وبالتالي فهو يحمل علي سعر الصحيفة مصاريف ذهابه وعودته. وإن كان هذا يحدث مع الصحيفة فما بالك بالكتاب الذي لا يصل. وإن وصل يكون وصوله معجزة.لست من الذين لم يجدوا في الورد عيبا فقالوا له يا أحمر الخدين. ولكني أحلم ـ دائما وأبدا ـ أن نجعل من القراءة أسلوب حياة. وأن ننشئ الأجيال الطالعة علي حبها.هل يصبح المشروع مناسبة بأن ننادي بمكتبة في كل بيت. ومكتبة في كل حي. ومكتبة في كل مدرسة. قال لي إبراهيم المعلم إن الجنين يمكن أن يشعر بالرغبة في القراءة حتي وهو في بطن أمه. وإن الصلة مع هذا الجنين ممكنة. فكيف نقرأ له وهو جنين؟ ليكون أول فعل يقبل عليه بعد ولادته هو القراءة. وقبل أن يتعلم القراءة. تقرأ له أمه. أو يقرأ له أبوه. وهذا يتطلب أن نمحو أميتهما إن كانا من الأميين. هل يصبح شعار القراءة للحياة مقدمتنا لمواجهة الأمية؟! وتلك مسئولية مجتمع بأكمله. الدولة والناس. ومنظمات المجتمع المدني. والجمعيات الأهلية. والأحزاب السياسية. لأنه من العار علينا أن تجتمع الأمية مع الكمبيوتر والانترنت والموبايل. كان من المفروض ألا تكون في مصر أمية قبل دخولنا عصر هذه المنجزات العلمية.